Quantcast
 

فى هَدْيه فى علاج استطلاق البطن

 
 

فى هَدْيه فى علاج استطلاق البطن


Share Instagram print article
 

فى هَدْيه فى علاج استطلاق البطن

        

فى الصحيحين  :  من حديث أبى المتوكِّل ،  عن أبى سعيد الخُدْرِىِّ ،  أنَّ رجلاً أتى النبىَّ صلى الله عليه وسلم ،  فقال :  إنَّ أخى يشتكى بطنَه وفى رواية :  استطلقَ بطنُهُ  فقال :   اسْقِهِ عسلاً  ،  فذهب ثم رجع ،  فقال :  قد سقيتُه ،  فلم يُغنِ عنه شيئاً وفى لفْظ :  فلَم يزِدْه إلا اسْتِطْلاقاً ،  مرتين أو ثلاثاً  كل ذلك يقولُ له :  اسْقِه عسلا . فقال لهُ فى الثالثةِ أو الرابعةِ :  صَدَقَ  اللهُ ،  وكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ .

فى صحيح مسلم  فى لفظ له :  إنَّ أخى عَرِبَ بطنُه  ،  أى فسد هضمُه ،  واعتلَّتْ مَعِدَتُه ،  والاسم :  العَرَب  بفتح الراء ،  و الذَّرَب  أيضاً.

العسل فيه منافعُ عظيمة ،  فإنه جلاءٌ للأوساخ التى فى العروق والأمعاء وغيرها ،  محلِّلٌ للرطوبات أكلاً وطِلاءً ،  نافعٌ للمشايخ وأصحابِ البلغم ،  ومَن كان مِزاجه بارداً رطباً ،  وهو مغّذٍّ ملين للطبيعة ،  حافِظ لِقُوَى المعاجين ولما استُودِع فيه ،  مُذْهِبٌ لكيفيات الأدوية الكريهة ،  منقٍّ للكبد والصدر ،  مُدِرٍّ للبول ،  موافقٌ للسعال الكائن عن البلغم ،  وإذا شُرِبَ حاراً بدُهن الورد ،  نفع من نهش الهوام ،  وشرب الأفيون ،  وإن شُرِبَ وحده ممزوجاً بماء نفع من عضة الكَلْبِ الكَلِبِ ،  وأكلِ الفُطُرِ القتَّال ،  وإذا جُعِلَ فيه اللَّحمُ الطرىُّ ،  حَفِظَ طراوته ثلاثَةَ أشهر ،  وكذلك إن جُعِل فيه القثاء ،  و الخيار ،  و القرع ،  و الباذنجان ،  ويحفظ كثيراً من الفاكهة ستة أشهر ،  ويحفظ جثة الموتى ،  ويُسمى الحافظَ الأمين. وإذ لطخ به البدن المقمل والشَّعر ،  قتل قَملَه وصِئْبانَه ،  وطوَّل الشَّعرَ ،  وحسَّنه ،  ونعَّمه ،  وإن اكتُحل به ،  جلا ظُلمة البصر ،  وإن استُنَّ به بيَّضَ الأسنان وصقَلها ،  وحَفِظَ صحتَها ،  وصحة اللِّثةِ ،  ويفتح أفواهَ العُروقِ ،  ويُدِرُّ الطَّمْثَ ،  ولعقُه على الريق يُذهب البلغم ،  ويَغسِلَ خَمْلَ المعدة ،  ويدفعُ الفضلات عنها ،  ويسخنها تسخيناً معتدلاً ،  ويفتح سُدَدَها ،  ويفعل ذلك بالكبد والكُلَى والمثانة ،  وهو أقلُّ ضرراً لسُدَد الكبد والطحال من كل حلو.

وهو مع هذا كله مأمونُ الغائلة ،  قليلُ المضار ،  مُضِرٌ بالعرض للصفراويين ،  ودفعها بالخلِّ ونحوه ،  فيعودُ حينئذ نافعاً له جداً.

وهو غِذاء مع الأغذية ،  ودواء مع الأدوية ،  وشراب مع الأشربة ،  وحلو مع الحلوى ،  وطِلاء مع الأطلية ،  ومُفرِّح مع المفرِّحات ،  فما خُلِقَ لنا شىءٌ فى معناه أفضلَ منه ،  ولا مثلَه ،  ولا قريباً منه ،  ولم يكن معوّلُ القدماء إلا عليه ،  وأكثرُ كتب القدماء لا ذِكر فيها للسكر ألبتة ،  ولا يعرفونه ،  فإنه حديثُ العهد حدث قريباً ،  وكان النبى صلى الله عليه وسلم يشربه بالماء على الرِّيق ،  وفى ذلك سِرٌ بديع فى حفظ الصحة لا يُدركه إلا الفطن الفاضل ،  وسنذكر ذلك إن شاء الله عِند ذكر هَدْيه فى حفظ الصحة.

         وفى سنن ابن ماجه  مرفوعاً من حديث أبى هريرة :  مَنْ لَعِقَ العَسَل ثَلاثَ غدَوَاتٍ كُلَّ شَهْرٍ ،  لَمْ يُصِبْه عَظِيمٌ مِنَ البَلاءِ  ،  وفى أثر آخر :  علَيْكُم بالشِّفَاءَيْنِ :  العَسَلِ والقُرآنِ  ،  فجمع بين الطب البَشَرى والإلهى ،  وبين طب الأبدان ،  وطب الأرواح ،  وبين الدواء الأرضى والدواء السمائى.

         إذا عُرِفَ هذا ،  فهذا الذى وصف له النبىُّ صلى الله عليه وسلم العَسَل ،  كان استطلاقُ بطنه عن تُخَمَةٍ أصابته عن امتلاء ،  فأمره بشُرب العسل لدفع الفُضول المجتمعة فى نواحى المَعِدَةَ والأمعاء ،  فإن العسلَ فيه جِلاء ،  ودفع للفضول ،  وكان قد أصاب المَعِدَةَ أخلاط لَزِجَةٌ ،  تمنع استقرارَ الغذاء فيها للزوجتها ،  فإن المَعِدَةَ لها خَمْلٌ كخمل القطيفة ،  فإذا علقت بها الأخلاطُ اللَّزجة ،  أفسدتها وأفسدت الغِذاء ،  فدواؤها بما يجلُوها من تلك الأخلاط ،  والعسلُ جِلاء ،  والعسلُ مِن أحسن ما عُولج به هذا الداءُ ،  لا سيما إن مُزج بالماء الحار.

         وفى تكرار سقيه العسلَ معنى طبى بديع ،  وهو أن الدواءَ يجب أن يكون له مقدار ،  وكمية بحسب حال الداء ،  إن قصر عنه ،  لم يُزله بالكلية ،  وإن جاوزه ،  أوهى القُوى ،  فأحدث ضرراً آخر ،  فلما أمره أن يسقيَه العسل ،  سقاه مقداراً لا يفى بمقاومة الداءِ ،  ولا يبلُغ الغرضَ ،  فلما أخبره ،  علم أنَّ الذى سقاه لا يبلُغ مقدار الحاجة ،  فلما تكرر تردادُه إلى النبىِّ صلى الله عليه وسلم ،  أكَّد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء ،  فلما تكررت الشرباتُ بحسب مادة الداء ،  بَرَأ ،  بإذن الله ،  واعتبار مقاديرِ الأدوية ،  وكيفياتها ،  ومقدار قوة المرض والمريض من أكبر قواعد الطب.

         وفى قوله صلى الله عليه وسلم :  صدَقَ الله وكذَبَ بطنُ أخيكَ  ،  إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء ،  وأن بقاء الداء ليس لِقصور الدواء فى نفسه ،  ولكنْ لكَذِب البطن ،  وكثرة المادة الفاسدة فيه ،  فأمَره بتكرار الدواء لكثرة المادة.

وليس طِبُّه صلى الله عليه وسلم كطِبِّ الأطباء ،  فإن طبَّ النبىّ صلى الله عليه وسلم متيقَّنٌ قطعىٌ إلهىٌ ،  صادرٌ عن الوحى ،  ومِشْكاةِ النبوة ،  وكمالِ العقل. وطبُّ غيرِه أكثرُه حَدْسٌ وظنون ،  وتجارِب ،  ولا يُنْكَرُ عدمُ انتفاع كثير من المرضى بطبِّ النبوة ،  فإنه إنما ينتفعُ به مَن تلقَّاه بالقبول ،  واعتقاد الشفاء به ،  وكمال التلقى له بالإيمان والإذعان ،  فهذا القرآنُ الذى هو شفاء لما فى الصدور إن لم يُتلقَّ هذا التلقى لم يحصل به شفاءُ الصُّدور مِن أدوائها ،  بل لا يزيدُ المنافقين إلا رجساً إلى رجسهم ،  ومرضاً إلى مرضهم ،  وأين يقعُ طبُّ الأبدان منه ،  فطِب النبوةِ لا يُناسب إلا الأبدانَ الطيبة ،  كما أنَّ شِفاء القرآن لا يُناسب إلا الأرواح الطيبة والقلوب الحية ،  فإعراضُ الناس عن طِبِّ النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذى هو الشفاء النافع ،  وليس ذلك لقصور فى الدواء ،  ولكن لخُبثِ الطبيعة ،  وفساد المحل ،  وعدمِ قبوله.. والله الموفق.

فصل

وقد اختلف الناس فى قوله تعالى :  {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ} [النحل  :  69] ،  هل الضمير فى فيه  راجعٌ إلى الشراب ،  أو راجعٌ إلى القرآن ؟ على قولين؛ الصحيح :  رجوعُه إلى الشراب ،  وهو قول ابن مسعود ،  وابن عباس ،  والحسن ،  وقتادة ،  والأكثرين ،  فإنه هو المذكور ،  والكلامُ سيق لأجله ،  ولا ذكرَ للقرآن فى الآية ،  وهذا الحديث الصحيحُ وهو قوله :  صَدَقَ اللهُ  كالصريح فيه.. والله تعالى أعلم.

 
 

نتمنى مشاركة اصدقائك الموضوع في حال اعجبك
Share Instagram print article

مواضيع أخرى